ها
أنا ذا, أجلس وحيداً في المقهي المفضل لدي, الساعة مازالت السابعة عشر
صباحا والمقهي خال تماما من البشر, لا يوجد أحد غيري، واشرف عامل الشيشة
يشعل الفحم, شخص غريب عن المكان يجلس وحيداً ايضا, أمامه لابتوب منبعث منه
بعض الاغاني الشعبي, يبدو ان هذا الشاب صباحه جيد في مثل يوم بائس كهذا, لا
بأس, أعتقد أن هذا الجو هو الأنسب للكتابة, لا أعرف عن ماذا سأكتب وأرجو
ألا يخونني القلم هذه المرة
أشعر
بقلق بالغ, ينبعث الدخان من فمي كطيف نبي ناقم علي قومه, قلبي يتحرك نحو
الهاوية, أتوق إلي زحام وجوه لا تعرفني, سأخترع أسماء وأسماء, سأخبر هذا
الشاب إني عالم كيمياء, وسأخبر أول جميلة أقابلها اني رجل أعمال من الشرق
الأوسط, هناك, في بلاد الضباب, يسكن الهدوء بعيداً عن فوضانا, فوضي الحب
ياصغيرتي التي تدفعنا للرحيل, أنا أتألم ولكني لا أعرف ما هو الألم, هكذا
الله يصبح قادراً ونحن نشكوا من شعور لا نعرفه
يصفني
بعض المعاتيه باني فاقد للأمل, وقد يأست من إقناعهم بتفاهة الأمل, يعتقد
البعض الآخر اني أحاول أن أجعل من نفسي شخص كئيب, لكنهم لا يعلموا أن هذا
يحدث دون أدني مجهود مني, اليوم سيتساوي حزني مع عروس قد مات زوجها أثناء
الزفة, بلي سأكون أكثر حزناً من فتي يتيم فقد أمه التي كانت آخر مابقي له
في الدنيا, أتدرين ياعزيزتي لما كل هذا الحزن؟ هل فكرتي يوماً انه ليس
حزناً حقيقياً وانه ممكن أن يكون إستعارة لأحزان السعداء الذين حاقت بهم
خيبات الأمل؟
من الواضح فعلاً اننا سننفق أعمارنا كلها في البحث عن لحظات حميمية, ودقائق لا نشعر فيها بوخذات تدق أفئدتنا, إلي متي يا عزيزتي؟
إلي متي ستريحنا القسوة؟ إلي متي سيتوقف كرهنا للبشر؟ إلي متي سيتوقف الإله عن المشاهدة؟
كيف لجرح أن يلتئم؟ كيف لمريض سيشفي في مستشفي الموت؟ كيف لخمر أن يسئ الظن؟ وكيف لحب أن ينمو في قلب أرهقه العذاب؟
هل سيأتي الامام الغائب؟ هل سيتدخل الله أم أنه عاجز مثلي؟
أريد أن افقد ذاكرتي وأولد كطفل في حياة جديدة, هل تصدقين فعلا يا صغيرتي بانني صرت متبلداً؟
لما تتركيني هنا ولا تسمحي لي أن اناشدك مرة أخري؟
سئمت
من كوني ثقيل الظل, أقرأ كتابا لم يغير في حياتي, شيخ جليل يعترف ليتطهر
من الذنوب, وانا أسير كما يسير الجميع, هذا الذي ولدته أمه من أبيه, وهذا
لم تلده أمه, وهذا ولدته أمه من حرام, هكذا يصبح الله قادراً ويشقي الطفل
إلي الأبد, كيف عاش آدم بدون أم؟ أهذا ذنب الله أم أنه بريء, هل بدأ الكون
ببيكتريا فعلا وسينتهي بها؟
أنا
لست سوي هارب من الموت يا ملاكي, فهلا أتيتي؟ ربما حضورك يعيد الحياة من
جديد, هذا دمي, فاتركي نجاسته وتوضأي في حجر الله, سيجيء موتي قريبا
وتحزنين كثيراً, لا داع لهذا كله, نحن خلقنا للحزن ياملاكي, عندما
تجاوزناه, تناسيناه, أنا آسف, سيأتي الموت وتنتهي كل طرق الهروب
صديقي
يكتب “لماذا لا يحدث أي شئ”, وانا أكتب “لماذا لا تحدث سوي الأشياء
السيئة”, هل سنموت دون أن نشعر بالسعادة؟ هل سيكون الإله بخيلاً لهذا الحد؟
كم نجوت من الموت؟ ها, مرات
هذه
الحياة تكفي لصناعة وطن كافي من الهزيمة, وانا لم أهزم, أنا فقط فقدت
قدرتي علي الشعور الزائف بالانتصار, لم يعد الكذب مريحاً كما أخبرتكم
سابقاً, كيف ارتطم رأسي بالزجاج ولم أمت؟ كيف ارتطم قلبي بالموت ولم أمت؟ كيف تناولت خمراً دون أن أغيب في الوعي ولم أمت, هل أصبح الخمر مغشوش لهذه الدرجة؟ كيف تركت صداعاً في جدار الموت, ولم أمت؟ كيف حملت السماء علي كتفي -وحدي- ولم أمت؟ كيف صرخت في وجه النهاية, وجاوزتني الرصاصة إلي صدر الشاب الهزيل, ولم أمت؟ هل ستطول النهاية ولم أمت؟ ماذا ينبغي أن احدث لكي أموت؟ كيف لم أمت؟ كيف تركتك وحيدة, ولم أمت؟
لم أمت يا صغيرتي, لأن الوقت فقط, لم يكن قد حان
عقلك طايح يا اخي ما شاء الله عليك
ردحذفكيف تركت صداعاً في جدار الموت, ولم أمت؟ كيف حملت السماء علي كتفي -وحدي- ولم أمت؟ كيف صرخت في وجه النهاية, وجاوزتني الرصاصة إلي صدر الشاب الهزيل, ولم أمت؟ هل ستطول النهاية ولم أمت؟ ماذا ينبغي أن احدث لكي أموت؟ كيف لم أمت؟
ردحذف.
مبدع يا عم !